amazing موبليات العبد
احدث الاخبار

واقع العنف في مدارسنا: بين عصا المعلم وسخرية التلاميذ!

amazing

متابعة/ روناء علي

كبرت ونسيت أن أنسى. نسيت أن أنسى كيف كان الأولاد يسخرون منّا نحن الفتيات قصيرات القامة في المدارس ونسيت أن أنسى كيف كان هؤلاء الأولاد أنفسهم يحوّلون ساحة المعهد إلى حلبة صراع وأرض حروب. نسيت أن أنسى عصا المعلّم وصراخ الأستاذة وتنمّر الإطار الإداري للإعدادية. كبرت ولكنّ النسيان قد خذلني وتركني فريسةً سهلةً لذكريات العنف في مدارسنا.

كان العنف وما زال ينخر المدارس ويجلس حذونا في مقاعد الدراسة. يصفعنا ويؤلمنا ويسخر منّا ويضعف مجتمعاتنا حتّى أفقنا منذ أيام في تونس على خبر طعن تلميذ لأستاذه بسكّين خلال حصّة الدرس. تلت هذه الحادثة المريرة إضرابات ووقفات احتجاجية تندد بالعنف في المدارس وصحبته صورٌ وفيديوهات لتلاميذ قرروا أن يبددوا ظلمة الحادثة ويستبدلوها بأجواء يسيطر عليها الحبّ والدفء الإنساني.

لكن لم كلّ هذا العنف في قاعات ظننا أنّها ستنشر المحبة وتدعم الإنساني الجميل مقابل ردع اللاإنساني البشع؟ لم استحالت مدارسنا ومعاهدنا مراكز شرطة يعنّف فيها الموقوفون ويسلبون حقوقهم؟ هل سنصير محكومين بمشاهدة صور العنف صباح مساء وقبل الصباح وبعد المساء ويوم الأحد؟

العنف.. بين العوامل النفسية والظروف الخارجية

لا يقف العنف حصرًا عند الضرب والسبّ والتهديد بل تتوسّع دائرته ليضمّ في تعريفه كل ما ينجر عنه إلحاق أذى نفسي أو جسدي بالآخر أو بالنفس بصفة متعمدة وذلك باعتماد القوّة والإكراه. فالزوج الذي يجبر زوجته على مضاجعته معنِّف والمعلّم الذي يسخر من تلميذه ويقلل من شأنه ويحتقره معنّف وصاحب الشركة الذي يأكل أموال عمّاله معنّف كذلك. الإكراه والإجبار والتحرش الجنسي والتمييز العنصري عزيزي القارئ عنف وجرم في حقّ الغير.

يقول سارتر: “لا يوجد شهود على العنف، بل شركاء فيه” ونحن شهود عليه وشركاء فيه، إذ نراه يطرق أبوابنا ثم يدفعها ويدخل بيوتنا ويهدد مدارسنا دون أن نحرّك ساكنًا. نرى تلاميذ يتشاجرون أمام المعاهد فنلتزم الصمت خوفًا من الضرب والشتم وتعترضنا في القسم معلّمة تهزأ من تلميذة صغيرة لأن شعرها مجعّد فنسكت ونواصل التركيز على دراسة النصّ. نحفظ عن ظهر قلب شعرًا يتغنّى بالجمال في صورة واحدة وحيدة وينبذ كل مظاهر الاختلاف ونردده حتى نطبّع معه ونقبل به وكأن رفض الاختلاف ليس عنفًا.

ليس العنف بظاهرة غريبة عن عالمٍ يعلو فيه صوت قرع طبول الحرب ويركب فيه مواطنون زوارق الموت بينما يموت آخرون تحت أقدام أعوان الشرطة، ويسخر فيه روّاد مواقع التواصل الاجتماعي من لاعبة كرة قدم. يزرع فينا هذا العنف منذ نعومة أظافرنا ثمّ نحمله في جيوب ميدعاتنا وحقائبنا إلى المدرسة حيث تفيض رؤوسنا بمعلومات لا تعني شيئًا في مدرسة الحياة، ويحلّ الرعب والفردانية محلّ الألفة والتعاون فنخرج منها ناقمين وندخل إليها خائفين ومترددين.

amazing amazing

amazing amazing
amazing amazing
amazing amazing

مقالات ذات صلة

amazing amazing
زر الذهاب إلى الأعلى